النشاط البدني وصحة الإنسان
يعرف النشاط البدني بأنه حركة جسم الإنسان بواسطة العضلات مما يؤدي إلى صرف طاقة تتجاوز ما يصرف من طاقة أثناء الراحة. ويدخل ضمن هذا التعريف جميع الأنشطة البدنية الحياتية، كالقيام بالأعمال البدنية اليومية من مشي وحركة وتنقل وصعود الدرج، أو العمل البدني في المنزل أو الحديقة أو المزرعة، أو القيام بأي نشاط بدني رياضي أو حركي ترويحي. يتضح إذن أن النشاط البدني هو سلوك يقوم به الفرد بغرض العمل أو الترويح أو العلاج أو الوقاية، سواء كان عفوياً أو مخططاً له.
ينقسم النشاط البدني إلى نشاط بدني هوائي وآخر غير هوائي، حيث يتم استخدام الأكسجين لإنتاج الطاقة أثناء النشاط البدني الهوائي، بينما لا يتم استخدام الأكسجين أثناء النشاط البدني غير الهوائي. وبتعبير آخر فإن النشاط البدني الهوائي هو ذلك النشاط البدني المعتدل الشدة، الذي يمكن للشخص من الاستمرار في أداءه بشكل متواصل لعدة دقائق، بدون الشعور بتعب ملحوظ يمنعه من الاستمرار فيه.وهو نشاط بدني يتميز بوتيرة مستمرة، مثل المشي السريع، الهرولة، الجري، ركوب الدراجة الثابتة أو العادية، السباحة، ونط الحبل، وما شابه ذلك، وكلمة الهوائي إغريقية الأصل تعني استخدام الأكسجين في عمليات أنتاج الطاقة للعضلات، وليس لها علاقة بالهواء الطلق كما يعتقد البعض. ومعظم الفوائد الصحية المعروفة في يومنا هذا تنتج عن النشاط البدني الهوائي (أي التحملي). أما النشاط البدني اللاهوائي فهو نشاط بدني مرتفع الشدة لا يمكن الاستمرار في أداءه إلا فترة قصيرة تصل إلى دقيقة أو أقل، كالجري لشخص غير متدرب على الجري، أو استخدام الدراجة بسرعة عالية.
وعلى الرغم من أن فوائد النشاط البدني وتأثيراته الايجابية على الصحة لم تكن وليدة يومنا هذا، إلا أن العقدين الماضيين شهدا، العديد من الدراسات العلمية والملاحظات التجريبية التي أكدت نتائجها قوة العلاقة بين النشاط البدني والصحة. لقد تم ذلك بطريقة غير مباشرة من خلال دراسة الآثار السلبية المترتبة على الخمول البدني من جراء ملازمة السرير، أو الآثار المترتبة على فقدان الجاذبية الأرضية من خلال بحوث رحلات الفضاء الخارجي، وكذلك بناءً على نتائج الدراسات الوبائية التي أجريت على عدد كبير من الناس، وأكدت على وجود العلاقة بين الخمول البدني والإصابة بالعديد من أمراض العصر، وبينت الدور الوقائي والعلاجي الذي تسهم به ممارسة النشاط البدني في مجابهة العديد من الأمراض المزمنة.
وتتعدد الفوائد الصحية الناجمة عن الممارسة المنتظمة النشاط البدني لتشمل صحة أجهزة عديدة في الجسم، مثل: القلب والدورة الدموية، والرئتين والجهاز التنفسي، والجهاز العصبي، والعضلات والمفاصل والعظام، بالإضافة إلى الصحة النفسية. ويوضح الجدولان رقم (1) ورقم (2) الفوائد الصحية الناتجة عن ممارسة النشاط البدني لدى كل من الراشدين والناشئة.
تحركوا .... من أجل الصحة:
هذه العبارة كانت شعاراً لحملة منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام 2003م، والتي هدفت إلى توعية الناس حول أهمية ممارسة النشاط البدني للصغار والكبار، رجال ونساء، وأثره الايجابي على الصحة العضوية والنفسية للإنسان. ولقد ترجمت العبارة إلى اللغة العربية تحت مسمى " في الحركة صحة وبركة". لقد تمخض اهتمام منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الصحية حول العالم، كالمركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها(CDC)، والجمعية الأمريكية لطب القلب، والكلية الأمريكية للطب الرياضي، والجمعية الأوربية لطب القلب، عن إصدار وثائق وتوصيات تحث فيها المؤسسات الصحية والتربوية في دول العالم المختلفة على تبني سياسات واضحة تشجع على الحياة النشطة، من أجل المساهمة في وقف الزيادة المطردة للأمراض المرتبطة بالنمط المعيشي، في دول العالم الصناعية والنامية على حد سواء. وتتلخص أهم التوصيات في ما يلي:
1- أهمية ممارسة النشاط البدني لصحة الفرد العضوية والنفسية.
2- ضرورة ممارسة نشاطاً بدنياً يتسم بالشدة المعتدلة لمدة لا تقل عن 30 دقيقة في اليوم، معظم أيام الأسبوع إن لم يكن جميعها.
3- ضرورة حصول التلاميذ من الروضة حتى المرحلة الثانوية على دروس يومية في التربية البدنية، تكون ذات كفاءة وجودة عالية.
4- ينبغي أن تتضمن مناهج التربية البدنية المدرسية أنشطة تشجعهم على المشاركة، وتجعلهم يطورون المعارف والاتجاهات الإيجابية، والمهارات الحركية السلوكية المطلوبة للمحافظة على نمط حياة نشط.
5- ضرورة قياس مستويات النشاط البدني لأفراد المجتمع، وتوفير التوعية المناسبة لهم عن أهمية النشاط البدني للصحة، وإرشادهم للبرامج البدنية الملائمة.
6- ينبغي على الأطباء والعاملين في الرعاية الصحية أن يسألوا المرضى عن مستوى نشاطهم البدني، ويصفوا لهم النشاط البدني الملائم لصحة المريض وعمره.
7- ينبغي على الجهات المعنية توفير الأماكن الرياضية المناسبة التي تشجع على ممارسة النشاط البدني، كالساحات الرياضية و طرق المشاة وغيرها.
جدول رقم (1): الفوائد الصحية الناتجة عن ممارسة النشاط البدني بانتظام لدى الراشدين
• ارتفاع كفاءة القلب والرئتين .
• تحسن لياقة العضلات ومرونة المفاصل .
• انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية، من خلال:
• ارتفاع مستوى الكوليسترول عالي الكثافة(الجيد) في الدم(HDL-C) .
• انخفاض مستوى الدهون الثلاثية (TG) في الدم.
• خفض نسبة الشحوم في الجسم.
• انخفاض ضغط الدم الشرياني ( إذا كان مرتفعا).
• زيادة انحلال مادة الفيبرين في الدم، مما يساعد على سيولة الدم.
• الإقلال من التصاق الصفائح الدموية، مما يخفض من فرص حدوث الجلطة.
• زيادة حساسية خلايا الجسم للأنسولين، مما يخفض سكر الدم.
• زيادة مصروف الطاقة، مما يساعد على الوقاية من السمنة.
• زيادة كثافة العظام، مما يقلل احتمال تعرضها للكسر.
• خفض القلق والكآبة.
• خفض تأثير هرمون الكاتوكولامين على القلب، مما يقلل من اضطراب النبض.
• خفض احتمالات الإصابة بسرطان القولون.
جدول رقم (2): الفوائد الصحية الناتجة عن ممارسة النشاط البدني بانتظام لدى الناشئة
§ تنمية مستوى كفاءة القلب والرئتين.
§ تنمية مستوى لياقة العضلات ومرونة الجسم.
§ خفض نسبة الشحوم في الجسم، ومكافحة السمنة.
§ زيادة كثافة العظام، خاصة عند ممارسة الأنشطة البدنية التي يتم فيها حمل الجسم، مثل الهرولة والجري والقفز ونط الحبل، وتمرينات القوة العضلية، وما شابه ذلك.
§ خفض مستويات دهون الدم.
§ انخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب0
§ زيادة حساسية الخلايا للأنسولين.
§ تحسين الصحة النفسية للناشئة وزيادة الشعور بالثقة.
§ خفض أعراض القلق والكآبة.
§ مساعدة الناشئة على النمو الاجتماعي السوي.
وصفة النشاط البدني المعززة للصحة:
على مدى العقود الأخيرة من القرن الميلادي الماضي، تولدت لدى العلماء والمختصين في صحة الإنسان معلومات جمة حول النشاط البدني المناسب للفرد تبعاً لعمره وحالته الصحية. لقد خلصت هذه الجهود العلمية إلى أن على الإنسان البالغ ممارسة نشاطاً بدنياً معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة على الأقل في اليوم، معظم أيام الأسبوع إن لم يكن كلها. وتشمل الأنشطة البدنية المعتدلة الشدة المشي السريع، والسباحة الترويحية، وركوب الدراجة الثابتة أو العادية، وممارسة الأعمال البدنية المنزلية، كتشذيب الأشجار في الحديقة المنزلية وتنسيقها، أو القيام بعملية الكنس أو الغسيل المنزلي، أو ممارسة أنشطة رياضية كالكرة الطائرة، وكرة الريشة، والتنس الأرضي (زوجي)، وما شابه ذلك من أنشطة بدنية. ويوضح الشكل رقم (1) ما يسمى بهرم الأنشطة البدنية، على غرار الهرم الغذائي المعروف. ويتكون الهرم من أربعة مستويات، يمثل فيها المستوى الأول الأنشطة البدنية الحياتية التي ينبغي الإكثار من القيام بها كل يوم، وتتمثل في المشي إلى العمل أو إلى المدرسة، والمشي إلى الأماكن الأخرى القريبة من المنزل، وصعود الدرج بدلاً من المصعد الكهربائي، والأعمال البدنية المنزلية. أما المستوى الثاني